روائع مختارة | قطوف إيمانية | أخلاق وآداب | أسطورة حتمية إنتصار أهل الحق!

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > أخلاق وآداب > أسطورة حتمية إنتصار أهل الحق!


  أسطورة حتمية إنتصار أهل الحق!
     عدد مرات المشاهدة: 2603        عدد مرات الإرسال: 0

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد/

فالأسطورة مفرد الأساطير، وهي الترهات والأباطيل، وقد عرفت المجتمعات البشرية الأساطير منذ قديم الزمان، لاسيما في باب العقائد والغيوب، ولا شك أن هذا كان بسبب الإعراض عن نور الوحي وهداية النبوات.

وإن من صفات هذه الأساطير أنها لكثرة تداولها جيلاً بعد جيل تصبح عند أصحابها بمثابة الحقائق التي لا تقبل التبديل أو النقاش والتغيير، كيف لا وقد شب عليها الصغير وهرم عليها الكبير.

وأمتنا ليست بدعاً من الأمم، فإن هي أعرضت عن نور الوحي لم يؤمَن عليها أن تقع فريسة للترهات والأباطيل، وإن من الأساطير المهلكة التي إبتليت بها أمتنا، ما ترسخ في أذهان كثير من أبنائها، من حتمية إنتصار أهل الحق، وحتمية عودة الحقوق لأصحابها، ورد المظالم لأهلها، هكذا بإطلاق!

ولئن كان المرء لا يستطيع الجزم بوقت ظهور هذه الأسطورة، إلا أن الظن يغلب أنها بدأت بعد سقوط الخلافة العثمانية ووقوع البلاد والعباد تحت الإحتلال الصليبي المعاصر، ثم ترسخت مع الزمن حتى قال شاعرهم ما صار يتداول كأنه حقيقة مسَلَّمة:

إذا الشعبُ يومًا أراد الحياة *** فلا بدّ أن يستجيب القدرْ!

وقبل أن تذهب بك الأفكار كل مذهب، وتسوء ظنونك بكاتب هذه الكلمات، دعني أيها القارئ الكريم أبين لك المراد بالنصر.

النصر في الشرع نصران، دنيوي وأخروي، قال تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر:51]، ولئن ظن ظان أن الآية الكريمة تؤكد ما أصفه بالأسطورة لأنها تتحدث عن نصر أهل الحق في الدنيا، فينبغي أن يُعلَم أن النصر في الدنيا ليس بالضرورة أن يكون نصراً مادياً، بمعنى الغلبة على العدو وإسترداد الحقوق، فإن الثبات على الحق حتى الممات نصرٌ، وإن الظهور بالحجة على أهل الباطل نصرٌ، وإنَّ بقاء دعوة الحق -وإنْ هلك أصحابها- نصرٌ، قال تعالى في أمة مؤمنة أُفنيت عن بَكرة أبيها وحُرِّقَت بالنار كي ترجع عن دين الحق فلم تفعل: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ} [البروج:11]، ولم يوصف الفوز في القرآن الكريم أنه كبير إلا في هذا الموضع، فتأمل.

وهكذا أنبياء الله عز وجل الذين كذبتهم أقوامهم وآذَوهم بل ربما قتلوهم، فمنهم من أظهر الله نبيَّهم عليهم، ومنهم من أهلكهم في حياة نبيهم، ومنهم من إنتقم منهم بعد قتل نبيهم، ولكن في كل هذه الحالات بقيت الغلبة والظهور والنصر المعنوي للأنبياء بقوة برهانهم وظهور حجتهم، ولهذا قال أبو العالية في تفسير قوله تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا.. } الآية هُوَ عَامٌّ فِي الرُّسُلِ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَنَصْرُهُمْ بِإِعْلَاءِ الْحُجَجِ وَإِفْلَاحِهَا -تفسير القرطبي 15/322.

إن النصر الكامل للمظلوم وصاحب الحق إنما يكون في الآخرة، يوم يُقِرُّ الله عز وجل عيون أوليائه وينتقم لهم من أعدائهم، في يوم لا يبقى فيه مظلوم إلا ويسترد حقه، حتى البهائم، كما قال صلى الله عليه وسلم: «لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ، مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ» صحيح مسلم، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: الله عزّ وجلّ حكَمٌ عَدْل، أراد أن يُريَ عبادَه كمال عدلِه حتى في البهائم العجم، هذا وهي بهائم لا يعقلن ولا يفهمن، فكيف ببني آدم!! -شرح رياض الصالحين.

أما في الدنيا، فإن الله قد ينصر المظلوم -نصراً مادياً ملموساً- وقد يؤخر نصره إلى يوم القيامة، فليس لأحد أن يتألى على الله بأنه لابد ناصره نصرَ غلبةٍ وظفر على عدوه، لمجرد أنه على الحق أو أنه صاحب حق، سواء أخذ بأسباب الإنتصار الشرعية والكونية، الظاهرة والباطنة، أو لم يأخذ، كيف وهؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو -بأبي هو وأمي- بين أظهرهم ثم يقع لهم في أُحُدٍ ما وقع!

إن البلاء من تمكن هذه الأسطورة من العقول والقلوب، يأتي من صنفين من الناس، صنف يتواكل ويقعد عن العمل ويكتفي بالدعاء -إن دعا- دون أخذ بالأسباب المتاحة، وصنف متعجل متسرع يُحَمِّل الأسباب ما لا تحتمل ويدخل معارك لا قبل له بها، قد تجر عليه وعلى جماعة المسلمين بل على الأمة كلها ويلات وويلات.

والحق الذي لا محيد عنه، أن النصر محض فضل من الله يؤتيه من يشاء، وأنه جل وعلا رتب لهذا النصر أسباباً، من أخذ بها فهو السعيد، ومن أعرض عنها وأدار لها ظهره فلا يلومنَّ إلا نفسه، قال تعالى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج:40]، فلم يعلق النصر على محض كون المرء على الحق، بل على نصرة الحق، قال القرطبي رحمه الله: أَيْ مَنْ يَنْصُرُ دِينَهُ وَنَبِيَّهُ -تفسير القرطبي.

والله أعلم....

الكاتب: هيثم بن محمد الكناني.

المصدر: موقع المحتسب.